
الاستطلاع - الفساد في موريتانيا لم يعد مجرّد ظاهرة فساد إداري أو مالي عابر، بل تحوّل إلى هيكل متكامل تديره "دولة عميقة" داخل الدولة، تحافظ على مصالحها بشراسة، وتُعيد إنتاج نفسها تحت غطاء تغييرات شكلية، فيما يبقى جوهر الفساد ثابتًا. كل عقد مشبوه، وكل كفاءة مهمشة، وكل معلومة محجوبة، ليست سوى دليل إضافي على أن ما يُدار في الظل أقوى مما يُقال في العلن... هكذا كانت في ظل العشرية السوداء ومازالت بعد ست سنين عجاف .
منظومة الفساد: شبكة داخل النظام
خلال السنوات الماضية، تحولت وزارات البلاد إلى مركز ثقل لمنظومة فساد منظم تقوده شخصيات مرتبطة بنظامي المحمدين ، وقد تمكّنت هذه الشبكة من فرض سيطرتها الكاملة على العقود والصفقات، كما استطاعت تحييد أجهزة الرقابة وتحويلها إلى أدوات طيعة بيد كبار الفاسدين.
عقود بمليارات مُنحت لأشخاص و شركات غير مؤهلة ، دون أي إعلان رسمي أو مناقصة علنية، بل كانت تتم عبر قنوات مغلقة مرتبطة مباشرة بمراكز القرار السياسي والعسكري.
تغييرات إدارية شكلية لا تمسّ الجذور
ورغم تعيين الوزير الأول القادم من نهب البلاد عشر سنين وسط وعود بالإصلاح، فإن التغييرات التي طالت بعض المدراء لم تتجاوز كونها عملية "تدوير" للوجوه القديمة، بل إن بعض من طُردوا بسبب فسادهم العلني عادوا إلى الوزارة من النوافذ الخلفية كمستشارين، و مكلفين بمهام و مدراء مؤسسات عمومية وحتي وزراء بحجة "عدم وجود البديل".
في المقابل، لا تزال الكفاءات الشابة والمؤهلة محاصرة بجدران الولاءات، محرومة من أي دور حقيقي في صناعة القرار، وسط غياب تام لآليات تواصل بين النظام والمثقف الذين يعيش إحباطاً متراكماً من غياب الشفافية والمحاسبة.
غياب المساءلة: رقابة عاجزة أو متواطئة؟
هيئات الرقابة الداخلية التي يفترض أن تكون العين الساهرة على الأداء والنزاهة، ظلت طوال سنوات في موقع الغياب التام. لم تُكتب تقارير عن فساد أو عن التفييش، أو عن المحسوبيات الصارخة، ولا عن الهدايا التي كانت تدخل مكاتب المسؤولين بشكل دوري.
كما لم تُفتح أي تحقيقات حقيقية في العقود السابقة، رغم وجود شكاوى واضحة وأدلة دامغة على عمليات فساد تورطت فيها شخصيات معروفة.
التحدي الأكبر: كسر تحالف المصالح
النظام الحالي ، أمام لحظة اختبار مفصلية: هل سيجرؤ على تفكيك تحالف المصالح الذي يدير البغض من وراء الستار؟ هل سيكسر جدار الصمت ويطلق يد المحاسبة بحق من خربوا البلاد؟
هل سيتم فتح ملفات الاكتتابات غير الشرعية، ومساءلة من لم يؤهلوا بدائل، ومن أعادوا تدوير أنفسهم في مواقع القرار؟ وهل سيكون هناك تحقيق جدي ؟
لا إصلاح بلا مشاركة
ما يغيب عن النظام أن الإصلاح الحقيقي لا يتم بإصدار قرارات فوقية، بل بإشراك الكفاءات من الداخل، وفتح قنوات الاتصال مع المثقفين الصامتين منذ سنوات، أولئك الذين يعرفون خفايا الفساد أكثر من أي لجنة تحقيق.
بدون إشراكهم، وبدون غربلة حقيقية لكل كوادر الصف الأول والثاني، سيبقى الفساد متجذرًا، وسيفشل أي مشروع إصلاح مهما كانت نواياه صادقة.
خلاصة
الدولة العميقة داخل النظام ليست نظرية مؤامرة، بل واقع فعلي يُدار بأدوات الماضي داخل مؤسسات الحاضر. وإن لم يتمكن النظام من اقتلاع هذه الجذور، فكل حديث عن إصلاح سيكون مجرد تغطية على استمرار النهب، ولكن هذه المرة… بوجوه جديدة لنفس العصابة القديمة
لن يتم ترسيم شفاف في أي مؤسسات
وسيبقى نهب الميزانيات
وسيكون مصير النظام الحالي أسوء نهاية من النظام السابق.
بقلم شيخنا سيد محمد